[b]
أعلَى الإسلام قيمة الترشيد والاقتصاد في الأمور كلها، وأسسها في نفوس المسلمين وحضّ عليها في إطار إسلامي عام من الأمر بالاعتدال في كل مناحي الحياة، ونفَّر من الإسراف والاستهلاك في غير نفع، في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف: 31]
وفي وصفه ومدحه المؤمنين أعطاهم صفة الترشيد والاعتدال في أمورهم فقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]
فلا يكون المؤمن كامل الإيمان إلا إذا تحلى بالاعتدال والترشيد .. بل وحذر الإسلام من التبذير والإسراف، وقبّح صورته وصورة المبذرين فقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 27]
في هذا الإطار الإسلامي العام .. تندرج المياه تحت الأمر بالاقتصاد والنهي عن الإسراف .. وخصوصًا أنها أحد أهم أسس الحياة والعبادة .. فبها يحيا الإنسان والحيوان والنبات، وكلهم لهم حرمتهم في الإسلام، وأوجب الحفاظ عليهم وعدم المساس بما يَمَسُّ حقوقهم .. بالماء يتوضأ المسلم كي يصلي والصلاة هي أغلى العبادات، وركن الدين الأعظم في الإسلام، وعليها تقوم الزراعة والصناعة .. فالإسراف في المياه تهديد للحياة من كل أوجهها، وهكذا تَعَامَل الإسلام مع أهمية ترشيدها، إذْ جعلها مهمة كبرى في حياة المؤمن ..
كما حض الإسلام على ترشيد المياه بشكل خاص كذلك لمزيد من التوكيد والاهتمام ..
فقد روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: "ما هذا الإسراف؟"
فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: "نعم، وإن كنت على نهر جار".
ويتبين من هذا الموقف تشديد الأمر بعدم الإسراف؛ حتى في عبادة وإن وجد الماء بكثرة وبغزارة .. وهذا من اهتمام الإسلام بالصالح العام، والسعي دائمًا لإيجاد التوازن دون أن يطغى أحد الأطراف في معادلة الحياة على الآخر فيحدث الخلل الذي يُوْدِيْ بالجميع ..
ونلتمس حكمة الإسلام إذْ نرى اليوم خلافات سياسية، قد تصل إلى حد التلويح بالحرب والدمار بين دول وأخرى في خلاف على المياه، وهنا تتأكد الرسالة العالمية للإسلام، وكونه دينًا عالميًّا أوجَد الأسس الدنيوية وليست الدينية أو الروحية فقط في سعيه الدائم إلى خير الناس وما فيه نفعهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة.